أسلوب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم

نجد في الحديث النبوي مبللاً بندى العاطفه المرهفه المشرقه

مكتسباً رونق البهاء من شخصية قائله صلى الله عليه وسلم

وذلك مالا نجد له مثيلاً في اساليب القول البشري المبين



1- جزالة ووضوح

أولى ...خصائص أسلوب الحديث جمعه بين الجزالة
في المفردات والوضوح في الدلالة وإذا اقترن الوضوح بالجزالة في الكلام
كان قطعة رائعة من البيان والساحر

وضوح لا تحجبه مفردات غريبة ولا أساليب معقدة

وجزاله لا يفارقها الوضوح والبيان ولا تنافسها جزالة

في متانة التركيب وفخامة الإقاع وعدم الإبتذال


وكان صلى الله عليه وسلم يكره التقعر والإغراب في الحديث كراهية شديدة

ويؤثر الوضوح والسهولة في التعبير حتى يكون كلامه مفهوماً من السامعين

وكان من أجل ذلك يترك لهجته القرشية إذا جاءه وفد من القبائل العربية الأخرى

ويكلمهم بالأسلوب المألوف لديهم الذي يستعملونه عادة في أحاديثهم

ويأتي بالمفردات واللهجه التي يتكلمون بها مما أثار عجب أصحابه القرشيين .

كما أن السمة الغالبة على أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم هي الإبلاغ قبل كل سمة أخرى

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إياكم والظن فإنه أكذب الحديث

ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا

وكونوا عباد الله إخوانا كما امر الله تعالى المسلم اخو المسلم

لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم

كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه

إن الله لا ينظر إ لى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إ لى قلوبكم وأعمالكم"

صحيح مسلم


2- بعده عن التكلف وتجديده


من خصائص اسلوب الحديث ....بعده عن التكلف وتجديده في اسلوب النثر المألوف

فأسلوبه بعيد عن التكلف والتصنع

فلا تلقى وانت تنتقل في رياض الحديث النضره التكلف في سجع

عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء و شماتة الأعداء ))

أخرجه البخاري ومسلم والنسائي



3- التصوير في الحديث

من خصائص اسلوب الحديث القدرة الرائعة على التصوير الموحي والتشبيه الموضح .

التصوير بالقصه السريعه :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجدبئرا فنزل فيها فشرب

ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من
العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فنزل
البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

فشكر الله له فغفر له قالوا :

يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال :

في كل كبد رطبة أجر

متفق عليه .

و في رواية للبخاري :

فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة ))


التصوير من خلال التشبيه

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة

فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها

وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم

فقالوا لو أناخرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم

وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ))

رواه البخاري

التصوير من خلال التشخيص

يقول صلى الله عليه وسلم :

(( ورجل تصدق بصدقه فأخفاها فلم تد ر شماله ما انفقت يمينه ))

اخرجه احمد والبخاري ومسلم وغيرهم من حديث ابي هريرة


4- دقة الوصف في الحديث

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

(( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ))

متفق عليه

وهكذا فإن في الحديث النبوي الوصف الرائع الذي يجلو الموصوف

بأوضح صوره واوجز عباره وارفع بيان

ضمن الإطار الذي تقتضيه الرساله الساميه النبوه الفاضله .


5- سلاسة الحديث

للرسول صلى الله عليه وسلم قدره كبيره على اختيار الكلمات

ذات الإقاع المحبب بحيث يتوفر لكل منها أمران اثنان لهما اهميه كبيره

في اعطاء الكلمه الحلوه هما التعاطف بين المعنى واللفظ والأنسجام في إيقاع الحروف :


أ - التعاطف بين المعنى واللفظ واضح في الكلمه الحديثيه .


قال صلى الله عليه وسلم :

(( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر ))

رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان وهو حديث حسن

فسلاسة كلمة يغرغر ساعدت على تصوير المعنى وتقريبه بشكل تمثيلي .




ب – الأنسجام في اصوات الحروف وإيقاعها .


قال صلى الله عليه وسلم :

(( حفت النار بالشهوات وحفت الجنه بالمكاره ))

متفق عليه

فإننا نرى كل كلمه من كلماته منسجمة الأصوات

سهلة النطق مأنوسة الوقع على السمع .





6 – الحوار في الحديث .


كان للرسول صلى الله عليه وسلم طرق في إثارة الحوار فمن طرقه :



1- أن يأتي بجملة تبدو غريبة لأول وهلة


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( انصر اخاك ظالماً او مظلوماً ))

فقال رجل : يارسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف انصره ؟

قال : (( تحجزه او تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ))

رواه البخاري


2- ان يورد السؤال بشكل مشوق يرغبهم في ان يعرفوا الجواب .


قال صلى الله عليه وسلم :

(( ألا ادلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات ؟ ))

قالوا : بلى يارسول الله

قال : (( إسباغ الوضوء على المكاره وكثر الخطا إلى المساجد

وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ))

رواه مسلم


3- ومن هذه الطرق ان يوجه صلى الله عليه وسلم إلى اصحابه سؤالاً

ويستمع الى اجوبتهم ثم يناقشهم في هذه الأجوبه ويبين لهم الصواب .

قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

(( اتدرون من المفلس ؟ ))

قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع

فقال : (( ان المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامه

بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا

وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته

فإن فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم

فطرحت عليه ثم طرح في النار ))

رواه مسلم



4- وهناك حوار نجده في الحديث ليس مما تقدم

بل حوار لم يتعمده الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها الوقائع أملته .

ومن ذلك أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير ؟

فقال صلى الله عليه وسلم :

(( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ))

متفق عليه


5- وهناك احاديث صيغت على شكل قصص قصيره

قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين للعظه والعبرة والدعوة .

فمن ذلك حديث الأعمى والأقرع والأبرص

وحديث القاتل والراهب والعالم

وحديث الملك والساحر والغلام وحديث جريج وغيرها كثير .


7 - الإيجاز

من خصائص أسلوب الحديث النبوي الإيجاز :

والايجاز عند البلاغيين هو تأدية المعاني الكثيره بالألفاظ القليله

وهو قسيم المساواة والإطناب عندهم

والرائع في إيجاز الحديث أنه بعيد عن التكلف

وانه كان سجيه للنبي صلى الله عليه وسلم

يصدر عنها في حديثه كله طويله وقصيره وكان صلى الله عليه وسلم

يأمر به اصحابه فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال

لجريربن عبدالله البجلي

(( ياجرير إذا قلت فأوجز وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف ))

رواه احمد والترمذي

عن سفيان بن عبدالله قال قلت يارسول الله

قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد اً غيرك

قال : (( قل آمنت بالله ثم استقم ))

رواه مسلم وابن حبان والطبري والحاكم والبيهقي وابن ماجه والترمذي

منقول من كتاب الحديث النبوي للصباغ بأختصار